فطرة الله التي فطر الناس عليها
لا ينكر أحد فضل الوالدين على أولادهما، فالوالدان سبب وجود الولدوله عليهم حق كبير فقد ربياه صغيرا وتعبا من أجل راحته وسهرا من أجل منامه، تحملكأمك في بطنها وتعيش على حساب غذائها وصحتها لمده تسعة أشهر غالبا، كما أشار اللهإلى ذلك: ( حملته أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْن ) الآية. ثم بعد ذلك حضانة ورضاع لمدة سنتين مع التعب والعناءوالصعوبة.
والأب كذلك يسعي لعيشك وقوتك من حين الصغر حتى تبلغ أن تقوم بنفسك،ويسعي بتربيتك وتوجيهك وأنت لا تملك لنفسك ضرا ولا نفعا، ولذلك أمر الله الولدبوالديه إحسانًا وشكرا، فقال تعالى: ( وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَبِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِأَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) . وقال تعالى:( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّاتَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّعِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلاتَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَالذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِيصَغِيرًا ) .
إن حق الوالدين عليك أن تبرهما وذلك بالإحسان إليهما قولا وفعلًابالمال والبدن. تمتثل أمرهما في غير معصية الله وفي غير ما فيه ضرر عليك، تلينلهما القول وتبسط لهما الوجه وتقوم بخدمتهما على الوجه اللائق بهما، ولا تتضجرمنهما عند الكبر والمرض والضعف، ولا تستثقل ذلك منهما فإنك سوف تكون بمنزلتهما، سوفتكون أبًا كما كانا أبوين، وسوف تبلغ الكبر عند أولادك إن قدر لك البقاء كما بلغاهعندك، وسوف تحتاج إلى بر أولادك كما احتاجا إلى برك، فإن كنت قد قمت ببرهما فأبشربالأجر الجزيل، والمجازاة بالمثل، فمن بر والديه بر به أولاده، ومن عق والديه عق بهأولاده، والجزاء من جنس العمل فكما تدين تدان، ولقد جعل الله مرتبة حق الوالدينمرتبة كبيرة عالية حيث جعل حقهما بعد حقه المتضمن لحقه وحق رسوله ـ صلى الله عليهوسلم ـ فقال تعالى: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًاوَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الآية.
وقال تعالى:( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّالْمَصِيرُ). وقدم النبي ـ صلى الله عليهوسلم ـ بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنهقال:(قلت يا رسول الله أيالعمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدينقلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله)[أخرجه البخاريكتاب مواقيت الصلاة باب فضل الصلاة لوقتها (527) ومسلم كتاب الإيمان باب بيانكون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال (85).]. وهذا يدل على أهمية حقالوالدين الذي أضاعه كثير من الناس، صاروا إلى العقوق والقطيعة فتري الواحد منهم لايري لأبيه ولا لأمه حقًا، وربما احتقرهما وازدراهما وترفع عليهما وسيلقي مثل هذاجزاءه العاجل أو الآجل.
ولا يخفى على أي منا أن بر الوالدين من الأمور الفطرية التي فطر الله الخلق عليها وأن ليس من تركها إلا فاسق جاحد لأنعم الله عليه ، فكم سمعنا ورأينا حتى من بهيمة الأنعام أجلكم الله من يبر بوالديه
فإن كانت البهيمة تبر والديها كان لزاما علينا نحن البشر الذين ميزنا الله بالعقل أن نكون أحق بهذا البر
وقفنا الله تعالى لبر آبائنا حتى تبرنا أبنائنا ، فالجزاء من جنس العمل .