هنا تلخيص لرسالة الوسائل المفيدة للحياة السعيدة ( واشهد الله اني لخصته بنفسي)
من اسباب الحياة السعيدة :
1.من الأسباب التي تزيل الهم و الغم الإحسان إلى الخلق بالقول و الفعل ، وأنواع المعروف ، وكلها خير و إحسان ، وبها يدفع الله عن البر و الفاجر الهموم و الغموم بحسبها ، ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ و النصيب ، ويتميز بأنه إحسانه صادر عن إخلاص و احتساب الثواب .
فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من خير ، و يدفع عنه المكاره بإخلاصه و احتسابه ، قال تعالى : }لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا {
فأخبر الله تعالى أن هذه الأمور كلها خير ممن صدرت منه ، و الخير يجلب الخير ، و يدفع الشر ، و أن المؤمن المحتسب يؤتيه الله أجرا عظيما ، و من جملة الأجر العظيم زوال الهم و الغم .
2.من أسباب دفع القلق النائ عن توتر الأعصاب ، و اشتغال القلب ببعض المكدرات هو الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة ، فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمر الذي أقلقه ، و ربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم و الغم ، ففرحت نفسه و ازداد نشاطه ، وهذا السبب أيضا مشترك بين المؤمن و غيره ، ولكن المؤمن يمتاز بإيمانه و إخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه ، وبعمل الخير الذي يعمله ، إن كان عبادة فهو عبادة ، و إن كان شغلا دنيويا أو عادة أصحبها النية الصالحة ، و قصد الإستعانة بذلك على طاعة الله ، فلذلك أثره الفعال في دفع الهم و الغم والأحزان ، فكم من الإنسان ابتلي بالقلق و ملازمة الأكدار ، فحلت به الأمراض المتنوعة ، فصار دواؤه الناجح نسيان السبب الذي كدره و أقلقه ، و اشتغاله بعمل من مهماته ، وينبغي أن يكون الشعل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس و تشتاقه ، فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع .
3.ومما يدفع به الهم و القلق اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر ، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل ، و عن الحزن على الوقت الماضي ، ولهذا استعاذ النبي (صلى الله عليه وسلم) من الهم و الغم ، فلا ينفع الحزن على الأمور الماضية التي لا يمكن ردها أو استدراكها ، و قد يضر الهم الذي يحدث بسبب الخوف من المستقبل ، فعلى العبد أن يكون ابن يومه ، يجمع جده و اجتهاده في إصلاح يومه و وقته الحاضر ، فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال ، و يتسلى به العبد عن الهم و الحزن .
والنبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دعاء بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء ، فإنما يحث مع الإستعانة بالله و الطمع في فضله على الجد و الاجتهاد في التحقق للحصول ما يدعو لحصوله ، والتخلي عما كان يدعو لدفعه لأن الدعاء مقارن للعمل ، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين و الدنيا ، ويسأل ربه نجاح مقصده ، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : احرص على ماينفعك واستعن بالله ولاتعجز ، وإذا أصابك شي فلا تقل : لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ، ولكن قا : قدر الله وماشاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان .
فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم) بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال ، و الإستعانة بالله عز وجل وعدم الإنقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضية النافذة ، و مشاهدة قضاء الله و قدره .
4.ومن الأسباب الموجبة للسرور و زوال الهم و الغم السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم و في تحصيل الأسباب الجالبة للسرور ، و ذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لايمكنه ردها ، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث و المحال ، و أن ذلك حمق و جنون ، فيجاهد قلبه على التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله ، مما يتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته ، فيعلم أن الأمور المستقبلة مجهول مايقع فيها من خير و شر و آمال و آلام ، وأنها بيد العزيز الحكيم ، ليس بيد العبد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها ، ودفع مضراتها ، ويعلم العبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، و اتكل على ربه في إصلاحه و اطمأن إليه في ذلك ، إذا فعل ذلك اطمأن قلبه و صلحت أحواله و زال همه و غمه .
5.ومن أنفع مايكون في ملاحظة مستقبل الأمور استعمال هذا الدعاء الذي كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يدعو به : "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي ، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي ، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير ، و الموت راحة لي من كل شر" ، وكذلك قوله عليه الصلاة و السلام " اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله ، لا إله إلا أنت" ، فإذا لهج العبد بهذا الدعاء الذي فيه صلاح مستقبله الديني و الدنيوي بقلب حاضر ، ونية صادقة ، مع اجتهاده فيما يحقق من ذلك ، حقق الله له ما دعاه و رجاه وعمل له ، وانقلب همه فرحا و سرورا .
6.وينبغي أيضا إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين بقية النعم الحاصلة له دينية كانت أو دنيوية ، و بين ما أصابه من مكروه ، فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم ، واضمحال ما أصابه من المكاره .
وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه ، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية ، وبذلك يزول همه و خوفه ، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه ، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت ، ويسعى في دفع ما لم يقع منها و في رفع ما وقع أو تخفيفه .
7.ومن الأمور النافعة أن تعرف أن أذية الناس لك و خصوصا في الأقوال السيئة ، لاتضرك بل تضرهم ، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها ، وسوغت لها أن تملك مشاعرك ، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم ، فإن أنت لم تضع لها بالا لم تضرك شيئا .
8.واعلم أن حياتك تبع لأفكارك ، فإن كانت أفكارا فيما يعود عليك بالمنفعة في دين أو دنيا فحياتك طيبة سعيدة ، وإلا فالأمر بالعكس .
1. أعظم الأسباب و أصلها و أسسها هو الإيمان و العمل الصالح ، قال تعالى : } مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { ، فقد أخبر الله تعالى و وعد من جمع بين الإيمان و العمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار ، وبالجزاء الحسن في هذه الدار و في دار القرار ، كما عبر النبي (صلى الله عليه و سلم) عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال : (عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن)