السلام عليكم
هذا اختصار لكتاب المنهل الذب النمير في سيرة السراج المنير من المقدمة الى ما قبل الاسراء والمعراج
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و لعاقبة للمتقين، و لا عدوان إلا على الظالمين، و لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين و الآخرين.
فعن كلمة لشهادة و عن حقوقها السؤال و الحساب، و عليها يقع الثواب و العقاب، و عنها يسأل الله تعالى الأولين و الآخرين :"ما كنتم تعبدون" و "ماذا أجبتم المرسلين" ؟
فجواب الأولى " ما كنتم تعبدون ؟ " : بتحقيق (( لا إله إلا الله ))؛ معرفو عملاً و إقراراً. و جواب الثانية " ماذا أجبتم المرسلــــين ؟ " : بتحقيق ((أن محمداً رسول الله ))؛ اتباعاً و تأسياً و ائتماراً. و أنه بحسب متابعة الرسول (ص) تكون العزة و الكفاية و النصرة و القبول؛ كما أنه بحسب متابعته يكون في العاجلة الهداية و النجاح، و في الآجلة النجاة و الفلاح.
فالله سبحانه و تعالى علق سعادة الدارين بمتابعته، و جعل شقاوة الدارين بمخالفته، و الرب جل جلاله يخلق ما يشاء و يختار، و قد اختار الله تعالى الأنبياء صلوات الله و سلامه عليهم من ولد آدم، و هم أربعة و عشرون و مائة ألف نبي، ثم اختار منهم الرسل عليهم السلام، و هم ثلاثمائة رسول، ثم اختار منهم أولي العزم؛ و هم الخمسة المذكورون في سورتي ( الأحزاب ) و ( الشورى ) : نوح، و إبراهيم، و موسى، و عيسى، و محمد صلى الله و سلم عليهم أجمعين، ثم اختار منهم الخليلين : إبراهيم/ و محمداً صلى الله عليهما و آلهما و سلم، ثم اختار منهما سيد ولد آدم : محمداً (ص)، فهو خيار من خيار من خيار.
أهمية السيرة النبوية
و قد جعل الرب جل ثناؤه، و تقدست أسماؤه، سنة نبيه و سيرته عصمة لمن يلجأ إليها، في الحرم الذي من دخلها كان من الآمنين.
حياة الرسول (ص) قبل البعثة
نسب النبي
إن نبينا (ص) هو خير أهل الأرض نسباً على الإطلاق، فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
و أبوه عدنان: من ولد اسماعيل صاحب القربان، ابن ابرهيم خليل الرحمن.
مولده و نشأته
ولد محمد الخليل – عليه أفضل الصلاة و السلام و التبجيل- في عام الفيل، و توفي أبوه عبد الله و هو حمل في بطن أمه جنين، ثم توفيت أمه آمنة، و لم يستكمل لابنها إذ ذاك سبع سنين.
ثم كفله جده عبد المطلب، فإذا بداعي الموت يدعوه و يجد له في الطلب، و حفيده إذ ذاك قد ناهز الثمان، و اليتم قد أحاط به و اشتدت منه الأركان.
فهو يتيم و لكن ليس كسائر الأيتام؛ فهو اليتيم الذي كفل سائر الأرامل و الأيتام، و هدى بإذن ربه الأنام، و أخرجهم إل النور بعد الظلام.
زواجه من خديجة بنت خويلد
لما كمل لنبينا (ص) من العمر خمسة و عشرين، تزوج خديجة بنت خويلد و هي ثيب و قد ناهزت إذ ذاك الأربعين، و هي ألو جليلة سترها بلحافه و كسائه، و أول امرأة ماتت من نسائه. و قد أتى جبريل النبي (ص) فقال: يا رسول الله؛ هذه خديجة قد أتت، معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها و مني، و بشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه و لا نصب.
فهي تحوج النبي (ص) في يوم من الأيام إلى رفع صوت و لا لجاج، بل أزالت عنه كل نصب، و أنسته كل وحشة و تعب، و هونت عليه كل عسير.
أولاده و ذريته
إن خاتم النبيين و المرسلين – صلى و سلم عليه رب العالمين – كما رزق الوداد لخديجة سيدة نساء العالمين، فقد رزق منها الأولاد من بنات و بنين.
فأكبر البنين: القاسم و به كان يكنى سيد الثقلين، ثم عبد الله الملقب بالطيب و الطاهر، و قد ماتا صغيرين و نبي الله (ص) على فراقهما محتسب و صابر. فقال العاص بن وائل: قد انقطع نسل محمد فهو أبتر! ، فتولى الله الدفاع عن نبيه ذي الوجه الأنور، و الجبين الأزهر، فقال: " إنا أعطيناك الكوثر "، لا تحزن يا محمد؛ فإن ذكرك مرفوع، و شانئك هو الأبتر المقطوع.
و أما بناته (ص) الأربع ، ذوات القدر العلي الأرفع : فأكبرهن زينب، ثم رقية ثم أم كلثوم، ثم فاطمة رضي الله عنهن.
فأما زينب رضي الله عنها: قد زوجها النبي (ص) لابن خالتها أبي العاص ابن الربيع رضي الله عنه ،و قد أنجبن له علياً و أمامه.
و أما رقية رضي الله عنها: فقد زوجها النبي (ص) لعثمان بن عفان، و لنعم الزوج كان، و قد وهبها الله من عثمان ابنها عبد الله .
و أما أم كلثوم رضي الله عنها: فقد زوجها رسول الله (ص) بعد موت أختها بستة أشهر لعثمان، فتوفيت عنه و لم تلد له.
و أما فاطمة رض الله عنها- و هي أصغرهن- : فقد شرف بها رسول الله (ص) بن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان له نعم الصهر، فدخل بها بعد غزوة بدر؛ و ولدت له الحسن و الحسين و زينباً و أم كلثوم، و قد كانت فاطمة أحب الناس إلى أبيها ، فقد كان يقربها و يدنيها.
و جميع بنات النبي (ص) توفين قبله، إلا فاطمة رضي الله عنها فقد توفيت بعده بستة أشهر لتكون للصابرين قبلة، و كان النبي (ص) لفرط حبه لابنته فاطمة يحب ابنيها: الحسن و الحسين رضي الله عنهما، و كانا ريحانتيه من الدنيا.
و قد انقطع نسل سيد الثقلين، إلا ما كان من جهة ابنيه الحسن و الحسين.
و جميع أولاد خاتم الأنبياء و المرسلين، من زوجه الودود الولود خديجة سيدة نساء العالمين، إلا ابنه إبراهيم فأمه مارية القبطية ، و هي جارية خير البرية.
بعثة الرسول – صلى الله عليه و آله و سلم –
لم كمل لخاتم النبيين – صلى و سلم عليه رب العالمين – تمام لأربعين، و هي سن الكمال، أري في منامة رؤى الصلاح، ثم حبب إليه الخلوة و التفرد، و التحنث لربه و التعبد؛ و قد بغض ليه الأوثان و الأصنام، فلم يزل على ذلك حتى أشرق عليه نور النبوة في غار حراء، و أكرمه الله تعالى بالرسالة و الاصطفاء.
و كان مبعثه إلى الثقلين، في يوم الاثنين، كما كانت ولادته في يوم الاثنين، الذي أحب النبي (ص) لنفسه و استحب لأمته فيه الصوم، فلما فاجأ الوحي النبي بـ :"اقرأ باسم ربك الذي خلق"، أرتج عليه فما أجاب و لا نطق؛ و رجع ل خديجة يرجف جنانه، و أمرها أن تزمله بالكساء، و تدثره بالغطاء، و قال لها – فداه أبي و نفسي- : لقد خشيت على نفسي، فأجابت خديجة حبها، ثقة بربا: كلا و الله، ما يخزيك أبداً، إنك لتصل الرحم، و تحمل الكل، و تكسب المعدوم، و قري الضيف، و تعين على نوائب الحق.
بين أذى الأقربين و ندى الأعجمين
لقد هبت بعد بعثة النبي المصطفى المختار، عواصف الأقضية و الأقدار؛ فتلقب لأجل ذلك الوجود أشد من تقلب الليل و النهار.
فإذا بعم النبي (ص) عبد العزى تبت يداه و توعد بصلي نار ذات لهب و حريق، و عمه أبي طالب في لجة تقليد ملة عبد المطلب غريق، و إذا بصهيب يقدم من الروم قد هدي سواء الطريق، و سلمان يهرب من فارس ليحظى من المصطفى ببشرى: سلمان منا أهل البيت فأكرم به من تابع و لحيق.
و قد أنزل الله تعالى على نبيه (ص) :" و أنذر عشيرتك الأقربين"، فخرج رسول الله (ص) حتى صعد الصفا، فهتف يا صباحاه! فقالوا: من الذي يهتف؟ فقالوا: محمد . فاجتمعوا عليه، فقال رسل الله (ص) : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، فقال رسول الله (ص) : فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ. فقال أبو لهب: تباً لك ! ألهذا جمعتنا ؟! ثم قام؛ فنزلت:" تبت يدا أبي لهب و تب (1) ما أنى عنه ماله و ما كسب (2) سيصلى ناراً ذلت لهب (3) و امرأته حمالة الحطب (4) في جيدها حبل من مسد (5) "
و هذا عم النبي أبو طالب، ينهى المشركين أن يؤذوا الرسول، و هو ينأى و يبتعد عن الإجابة و القبول !!
قصة إسلام سلمان رضي الله عنه
يقول سلمان كنت رجلاً من أهل فارس، و كان أبي دهقان أرضه، و كان يحبني حباً شديداً.
اجتهدت بالمجوسية، فدعاني أبي فقال: أي بني، انطلق إلى ضيعتي و لا تحتبس علي، فخرجت أيد ضيعته فمررت بكنيسة للنصارى، فأعجبني حالهم، فوالله ما زلت جالساً عندهم حتى غربت الشمس؛ و بعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت و لم أذهب إلى ضيعته، فقال: أين كنت؟ فقلت: مررت بالنصارى فأعجبني صلاتهم و دعاؤهم، فخاف أبي علي؛ فجعل حديداً في رجلي و حبسني، فبعثت أحداً من النصارى فقلت: أين أهل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام، فقلت: ذا قدموا عليكم من هناك ناس فآذوني بهم، فقدم عليهم ناس من تجارهم فآذوني، فطرحت الحديد من رجلي و لحقت بهم، فقدمت معهم الشام. فلا زال سلمان ينتقل من الشام إل الموصل إلى نصيبين عمورية بالروم، حتى أقام عند آخر عبادها سنين و اكتسب، فقال له العابد: أي بني، والله ما أعلم بقي أحد على مثل ما كنا عليه، و لكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، و إن فيه علامات لا تخفى: بين كتفيه خاتم النبوة: يأكل الهدية و لا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل، فإنه قد أظلك زمانه.
و بعث الله رسوله (ص) في مكة، لا يذكر لي شي من أمره مع ما أنا فيه من الرق، حتى قدم قباء، و أنا في عمل صاحبي في نخله، فلما أمسيت و كان عندي شي من طعام، فحملته و ذهبت إلى رسول الله (ص) و هو بقباء، فقدمت له صدقة فلم يأكلها و أكلها أصحابه ثم جئت له بهدية فأكلها و أكل أصحابه فقلت هذه علامتان ثم استدرت حوله لأنظر إلى الخاتم فكشف رداءه فنظرت الخاتم، فأكببت عليه أقبله و أبكي.